وإنه لتنزيل رب العالمين> سورة الشعراء
مقدمة
منذ أربعة عشر قرناً أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم ليكون هادياً لبني البشر، ودعا الناس إلى أن يهتدوا إلى الحق عبر التمسك بهذا الكتاب، ومنذ اليوم الذي أنزل فيه الوحي وحتى يوم القيامة سيبقى آخر الكتب المقدسة المرشد الوحيد للإنسانية.
أسلوب القرآن الذي لا يضاهى، والحكم العظيمة التي يحتويها تساهم في إثبات كونه منزلاً من عند الله سبحانه وتعالى. إحدى هذه المساهمات هي واقع وجود مجموعة من الحقائق العلمية التي لم نستطع اكتشافها إلا من خلال تكنولوجيا القرن العشرين قد ذكرت في القرآن الكريم قبل 1400 عاما.
بالطبع القرآن الكريم ليس كتاب علوم، ولكن مع ذلك فإن هناك الكثير من الحقائق العلمية التي عبر عنها بدقة وعمق في آيات القرآن لم يتم اكتشافها إلا من خلال تكنولوجيا القرن العشرين. وهذه الحقائق لم تكن معروفة في الوقت الذي كان القرآن ينزل فيه مما يشكل دليلاً آخر على أن القرآن هو كلام الله.
وحتى نفهم الإعجاز العلمي في القرآن، لا بد لنا أن ننظر إلى مستوى العلم في الوقت الذي كان القرآن ينزل فيه.
ففي القرن السابع الذي نزل فيه القرآن كان المجتمع العربي فيما يخص الناحية العلمية مليئاً بالخرافات والمعتقدات التي لا أساس لها، فمع النقص في الوسائل التقنية اللازمة لتفحص الطبيعة والكون، آمن العرب الأقدمون بخرافات ورثوها عن الأجيال السابقة. لقد افترضوا على سبيل المثال أن الجبال تسند السماء فوقهم، واعتقدوا أن الأرض مسطحة وعلى طرفيها جبال عالية. كما كانوا يعتقدون أن الجبال هي أعمدة تبقي قبة السماء في الأعالي.
ولكن كل هذه الاعتقادات الأسطورية التي كانت سائدة عند العرب أزالها القرآن الكريم. ففي سورة الرعد يقول الله تعالى:{اللهُ الَذِي رَفَعَ السّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} سورة الرعد:2 هذه الآية أبطلت الاعتقاد بأن السماء تبقى فوقنا في مكانها بسبب الجبال. وفي الكثير من الموضوعات الأخرى نزلت حقائق مهمة لم يكن بإمكان أحد أن يدركها في ذلك الوقت، فالقرآن كشف عن معلومات أساسية في موضوعات متعددة من قبيل: خلق الكون، خلق الإنسان، تركيبة الغلاف الجوي، والتوازن الدقيق الذي يجعل الحياة على الأرض ممكنة.
والآن فلنلق نظرة على بعض الإعجاز العلمي الذي نزل في القرآن...
تمدد الكون
لقد وصف القرآن الكريم الذي أنزل قبل أربعة عشر قرناً في وقت كان فيه علم الفلك في طوره البدائي، نظرية تمدد الكون كما يأتي:
<والسماء بنيناها بأيدٍ وإنّا لموسعون> سورة الذاريات: 47
وكلمة السماء كما تذكرها الآية مذكورة في مواطن عدة من القرآن الكريم، بمعنى الكون والفضاء. وهنا مرة أخرى، الكلمة مذكورة بهذا المعنى. وبكلمات أخرى، فإن القرآن الكريم كشف أن الكون يتوسع، أو يتمدد، وهي نفس النتيجة التي خلص إليها العلم في أيامنا هذه.
فحتى فجر القرن العشرين كانت النظرة العلمية الوحيدة السائدة في العالم هي أن الكون له طبيعة ثابتة وهو موجود منذ الأزل. ولكن الأبحاث والملاحظات والحسابات التي أجريت بواسطة التقنيات الحديثة كشفت أن الكون في الحقيقة له بداية وأنه يتمدد بانتظام.
ففي بداية القرن العشرين أثبت عالم الفيزياء الروسي والمتخصص بالعلوم الكونية البلجيكي جورج لوميتر نظرياً بأن الكون في حركة دائمة وأنه يتمدد.
هذه الحقيقة أثبتت أيضا من خلال المراقبة في عام ،1929 فمن خلال مراقبة السماء بالتليسكوب اكتشف عالم الفلك الأميركي إدوين هابل أن النجوم والمجرات تتحرك بعيدا عن بعضها البعض بشكل دائم. وهذا يعني أن الكون الذي يتحرك فيه كل شيء بشكل دائم بعيداٌ عن بعضه البعض هو كون متمدد بشكل دائم.
ولقد استطاعت الملاحظة المستمرة في السنوات التي تلت أن تثبت أن الكون يتمدد بشكل مستمر، وهذه الحقيقة شرحها القرآن في وقت لم تكن فيه معروفة عند أحد، وهذا بالطبع لأنه كلام الله الخالق حاكم الكون بأكمله.
انفصال السماء عن الأرض
هناك آية أخرى عن خلق السماوات هي الآتية:
<أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون> الأنبياء:30
وكلمة الرتق يقصد بها الاختلاط والامتزاج، وتستعمل للدلالة على أجزاء تكون كلاً. ولفظ ‘’ففتقناهما’’ من فعل فتق في اللغة العربية ويعني التمزيق أو التدمير، مما يعني ولادة شيء كنتيجة لتدمير أو تمزيق تركيبة رتق ما. ومثال على ذلك خروج النبات من البذرة المزروعة في التربة.
دعونا نلقي نظرة ثانية على الآية الكريمة آخذين بعين الاعتبار هذه المعلومات. تذكر الآية أن السماوات والأرض كانتا في حالة الرتق، ثم تفرقتا بواسطة الفتق حيث خرجت إحداهما من الأخرى. وتبعاً لذلك عندما نتذكر أولى لحظات الانفجار العظيم نرى أن نقطة واحدة كانت تتضمن كل مادة الكون. وبكلمات أخرى كل شيء ‘’السماوات والأرض’’ التي لم تكن قد خلقت بعد، كانت ضمن هذه النقطة في حالة الرتق. وعندما انفجرت هذه النقطة بقوة سببت فتق المادة ومن خلال هذه العملية خلق شكل الكون بأكمله.
عندما نقارن التعبير المستخدم في القرآن الكريم بالاكتشافات العلمية نرى توافقاً تاما بينهما، ومما يثير الاهتمام أن هذه الاكتشافات العلمية لم يتم التوصل إليها إلا في القرن العشرين.
الأفلاك
خلال الحديث عن الشمس والقمر في القرآن الكريم هناك تأكيد على أن كلا منهما يجري في فلك محدد.
<وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كلّ في فلك يسبحون> الأنبياء:33
وهذا الأمر مذكور في آية أخرى أيضا حيث يقول الله تعالى
<والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم> يس:38
هذه الحقائق المذكورة في القرآن تم اكتشافها من خلال المراقبة الفلكية في عصرنا هذا. ووفقاً لخبراء الفلك فإن الشمس تجري بسرعة كبيرة تبلغ 720.000 كيلومتراً في الساعة باتجاه النجم فيغا في فلك معين يسمى رأس الشمس.
وهذا يعني أن الشمس تقطع تقريبا 17.280.000 كيلومتراً في اليوم. ومع الشمس تجري أيضا كل الكواكب والأقمار الاصطناعية التي تقع في ضمن نظام الجاذبية الشمسي وتقطع نفس المسافة التي تقطعها الشمس.
وبالإضافة إلى ذلك فإن كل النجوم في الكون تتحرك بطريقة مشابهة.
وقد ذكر القرآن الكريم أن الكون كله مليء بالمدارات أو الأفلاك والممرات المشابهة للتي ذكرناها، وذلك في قوله تعالى:
<والسماء ذات الحُبُك> الذاريات: 7
هناك ما يقارب المائتي بليون مجرة في الكون، تتألف كل منها مما يقارب المائتي بليون نجماً ومعظم هذه النجوم لها كواكب وفي كل كوكب هناك أقمار وكلها أجسام ثقيلة تتحرك ضمن مدارات محددة ومحسوبة بدقة.
منذ ملايين السنين يسبح كل جرم من الأجرام السماوية في فلكه الخاص بانتظام وتناغم تامين مع الأجرام الأخرى. بالإضافة إلى ذلك فإن الكثير من المذنبات تتحرك أيضا في مدارات محددة لها.
وليست الأفلاك في الكون مقتصرة على الأجرام السماوية بل إن المجرات أيضا تجري أيضا بسرعات عظيمة في مدارات محسوبة ومخططة. وخلال حركاتها لا تتقاطع هذه الأجرام السماوية مع الأجرام الخرى ولا تتقاطع معها أبدا.
وبالتأكيد فأن القرآن نزل في وقت لم تكن فيه البشرية تمتلك التلسكوبات الموجودة في أيامنا هذه ولا تقنيات المراقبة الحديثة التي تتيح لنا الفرصة لمراقبة ملايين الكيلومترات من الفضاء، ولا كانت المعرفة الفلكية والفيزيائية متوفرة كما هي اليوم، ولذلك لم يكن من الممكن علمياً إثبات أن الفضاء مليء بالمسالك والمدارات أو الأفلاك التي عبرت عنها الآية الكريمة بلفظ الحبك. ومع ذلك فقد كان هذا الأمر معلنا لنا في القرآن الذي نزل في ذلك الوقت، وكيف لا والقرآن كلام الله؟
كروية الأرض
{خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بِالحَقِّ يُكَوّرُ الليلَ عَلىَ النَّهَارِ وَيُكَوّرُ النَّهَارَ على الليلِ وَسَخَّرَ الشّمْسَ وَالقَمَرَ كُلٌ يَجْرِي لأِجَلٍ مُسَمّىً أَلاَ هُوَ العَزِيزُ الغَفَّارُ }
الزمر:5
إن العبارات المستخدمة في القرآن الكريم لوصف الكون عبارات مذهلة في دقّتها، فمثلاً كلمة التكوير المذكورة في الآية هي من فعل كور، ويقال بالعربية كوّر العمامة إذا لفها وأدارها، وكوّر المتاع إذا وضع بعضها على بعض.
وهذا الوصف المذكور في القرآن حول تكوّر الليل على النهار وتكوّر النهار على الليل يتضمن معلومات دقيقة حول شكل العالم، وهذا الوصف لا يمكن أن يكون صحيحاً إلا إذا كانت الأرض كروية، وهذا يعني أن كروية الأرض قد ورد ذكرها في القرآن الكريم الذي نزل في القرن السابع الميلادي، وهنا يجب التذكير بأنه في ذلك الوقت كانت المفاهيم الفلكية مختلفة تماماً عما هي عليه اليوم، إذ كان يعتقد أن الأرض عبارة عن سطح مستوٍ وكل الحسابات والتفسيرات العلمية كانت مبنية على أساس هذا المعتقد.
ومع هذا فإن آيات القرآن تضمنت معلومات لم نستطع الوصول إليها إلا في القرن الماضي، كيف لا والقرآن كلام الله الذي جاء بأدق العبارات في وصف الكون؟
السقف المحفوظ
يلفت الله سبحانه وتعالى من خلال القرآن الكريم انتباهنا إلى خاصية مهمة من خصائص السماء في قوله
{وَجَعَلْنَا السّمَآءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ ءَايَاتِهَا مُعرِضُونَ }
الأنبياء: 32
هذه الخاصية قد أثبتتها الأبحاث العلمية التي أجريت في القرن العشرين.
فالغلاف الجوي الذي يحيط بالأرض يؤدي وظائف ضرورية لاستمرارية الحياة، فهو حين يدمر الكثير من النيازك الكبيرة والصغيرة فإنه يمنعها من السقوط على سطح الأرض وإيذاء الكائنات الحية.
بالإضافة إلى ذلك فإن الغلاف الجوي يصفي شعاع الضوء الآتي من الفضاء المؤذي للكائنات الحية. والملفت أن الغلاف الجوي لا يسمح إلا للإشعاعات غير الضارة مثل الضوء المرئي والأشعة فوق البنفسجية وموجات الراديو بالمرور. وكل هذه الإشعاعات أساسية للحياة. فالأشعة فوق البنفسجية التي يسمح بمرورها بشكل جزئي فقط عبر الغلاف الجوي، ضرورية جدا لعملية التمثيل الضوئي في النباتات ولبقاء الكائنات الحية على قيد الحياة. غالبية الإشعاعات فوق البنفسجية المركزة التي تنبعث من الشمس يتم تصفيتها من خلال طبقة الأوزون في الغلاف الجوي ولا تصل إلا كمية محدودة وضرورية من الطيف فوق البنفسجي إلى الأرض.
هذه الوظيفة الوقائية للغلاف الجوي لا تقف عند هذا الحد، بل إن الغلاف الجوي يحمي الأرض من برد الفضاء المجمد الذي يصل إلى 270 درجة مئوية تحت الصفر.
وليس الغلاف الجوي فقط هو الذي يحمي الأرض من التأثيرات الضارة، فبالإضافة إلى الغلاف الجوي فإن ما يعرف بحزام فان ألن وهو طبقة نتجت عن حقول الأرض المغناطيسية، تشكل درعاً واقياً من الإشعاعات الضارة التي تهدد كوكبنا. هذه الإشعاعات (التي تصدر عن الشمس وغيرها من النجوم باستمرار) مميتة للكائنات الحية. ولولا وجود حزام فان ألن، لكانت الانفجارات العظيمة للطاقة المسماة التماوجات أو الانفجارات الشمسية (التي تحدث بشكل دائم في الشمس) قد دمرت الأرض.
يقول دكتور هوغ روس عن أهمية حزام فان آلن ما يأتي:
‘’ في الحقيقة إن الأرض تملك كثافة أعلى من كل ما تملكه باقي الكواكب في النظام الشمسي، وهذا القلب العظيم للأرض المكون من الحديد والنيكل هو المسؤول عن الحقل المغناطيسي الكبير. وهذا الحقل المغناطيسي هو الذي ينتج درع إشعاعات فان آلن الذي يحمي الأرض من الانفجارات الإشعاعية. ولو لم يكن هذا الدرع موجوداً لما كانت الحياة ممكنة على سطح الأرض. ولا يملك مثل هذا الدرع سوى الأرض وكوكب المريخ الصخري، ولكن قوة حقله المغناطيسي اقل بمائة مرة من قوة حقل الأرض المغناطيسي، وحتى كوكب الزهرة المشابه لكوكبنا ليس لديه حقل مغناطيسي. إن درع فان آلن الإشعاعي هو تصميم فريد خاص بالأرض.’’
إن الطاقة التي ينقلها انفجار واحد فقط من هذه الانفجارات التي تم حساب قوتها مؤخراً تعادل قوة مائة بليون قنبلة ذرية شبيهة بتلك التي ألقيت فوق هيروشيما. بعد خمس وثمانين ساعة من انفجارها لوحظ أن الإبر المغناطيسية في البوصلات أظهرت حركة غير عادية، ووصلت الحرارة فوق الغلاف الجوي على ارتفاع مائتين وخمسين كيلومتراً إلى 2500 درجة مئوية.
وباختصار فإن هناك نظاماً متكاملا يعمل فوق الأرض. وهو يحيط عالمنا ويحميه من التهديدات الخارجية. إلا أن العلماء لم يعلموا بوجوده إلا مؤخرا، ولكن الله سبحانه وتعالى أخبرنا منذ قرون بعيدة من خلال القرآن الكريم عن غلاف الأرض الجوي الذي يشكل درعاً واقياً.
السماء ذات الرجع
في الآية الحادية عشرة من سورة الطارق، يشير الله سبحانه وتعالى إلى وظيفة من وظائف السماء وهي ‘’الرجع’’ فيقول تعالى:
{وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الرَّجْع }
الطارق: 11
هذه العبارة يشار إليها في الترجمات بمعنى: الارجاع، وتحمل أيضا معنى إعادة الإرسال.
وكما هو معلوم فإن الغلاف الجوي الذي يحيط بالأرض مكون من عدة طبقات وكل طبقة لها دورها في إعادة الإشعاعات التي تتعرض لها إلى الفضاء أو إرسالها إلى الأرض. والآن لنعاين من خلال بعض الأمثلة عملية إعادة الإرسال التي تقوم بها الطبقات المختلفة التي تحيط بالأرض.
طبقة التروبوسفير (13-15 كيلومتراً فوق الأرض) تمكن بخار الماء من الصعود من سطح الأرض والتكثف ثم ترجعه مطراً.
طبقة الأوزون التي تقع على ارتفاع 25 كيلومتراً تعكس الإشعاعات الضارة والأشعة فوق البنفسجية الآتية من الفضاء وترجعها إلى الفضاء.
طبقة الإينوسفير تعكس موجات الراديو التي تبث من الأرض وترجعها إلى مناطق مختلفة من العالم تماما مثل الأقمار الصناعية، وبذلك فإنها تجعل البث الإذاعي والتلفزيوني والاتصالات اللاسلكية طويلة المسافات أمورا ممكنة.
أما طبقة الماغنوسفير فإنها تعيد جزئيات الإشعاعات النووية التي تصدر عن الشمس وغيرها من النجوم إلى الفضاء قبل أن تصل إلى الأرض.
والحقيقة أن هذه الخاصية من خصائص طبقات الغلاف الجوي التي لم تظهر إلا في الأبحاث المتأخرة قد ذكرت في القرآن الكريم قبل قرون، ومرة أخرى، فإن هذا يثبت بأن القرآن كلام الله.
طبقات الغلاف الجوي
هناك حقيقة أخرى عن الكون مذكورة في آيات القرآن الكريم وهي أن السماء مؤلفة من سبع طبقات.
{هُوَ الَذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلىَ السَّمَآءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِ شَيءٍ عَلِيمٌ }
البقرة: 29
{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ.. فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ في يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَآءٍ أمْرَهَا وَزَيَّنّا السَّمَآءَ الدُنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العليم }
فصلت: 11-12
وكلمة السماوات التي تظهر في آيات كثيرة من القرآن الكريم تستعمل للإشارة إلى السماء فوق الدنيا، كما تستعمل للدلالة على الكون بأكمله. ومع الأخذ بالدلالة الأولى للكلمة يمكن أن نرى أن الغلاف الجوي يتكون من سبع طبقات.
وبالفعل فإنه من المعروف اليوم أن الغلاف الجوي يتكون من طبقات مختلفة تقع فوق بعضها البعض.
وبالإضافة إلى ذلك فإن لغلاف الجوي يتكون، تماماً كما يصف القرآن الكريم، من سبع طبقات بالتحديد. ويمكن وصفه من الناحية العلمية بما يلي:
‘’وجد العلماء أن الغلاف الجوي يتكون من عدة طبقات. وهذه الطبقات تختلف في خصائصها الفيزيائية وفي ضغطها وأنواع الغازات الموجودة فيها. الطبقة الأقرب إلى الأرض تسمى التروبوسفير وتضم 90% من حجم الغلاف الجوي. الطبقة التي فوق التروبوسفير تسمى الستراتوسفير. أما طبقة الأوزون فهي ذلك الجزء من الستراتوسفير الذي يمتص الأشعة فوق البنفسجية. والطبقة التي وفق استراتوسفير تسمى الميسوسفي. أما الثيرموسفير فإنها تقع فوق الميزوسفير، وتسمى الغازات الأيونية في طبقة الثيرموسفير بالإينوسفير. أما الطبقة الخارجية من غلاف الأرض الجوي فإنها تمتد من 480 إلى 960كلمتراً وتسمى الإكسوسفير.
إذا أحصينا عدد الطبقات المذكورة في المرجع السابق نرى أن الغلاف الجوي يتكون تحديدا من سبع طبقات، تماما كما هو مذكور في الآية.
التروبوسفير
الستراتوسفير
الميسوسفير
الثيرموسفير
الإيكسوسفير
الأيونوسفير
المانيتوسفير
وهناك إعجاز آخر اشتملت عليه الآية 12 من سورة فصلت، وهو قوله تعالى: ‘’وأوحى في كل سماء أمرها’’. وبكلمات أخرى فإن الله جعل لك سماء مهمة. وهذا صحيح كما رأينا في الفصل السابق، فإن لكل واحد من هذه الطبقات وظائف حيوية لخير البشرية ولكل الكائنات الحية التي تعيش على الأرض. كل طبقة لها وظيفة معينة تتراوح بين تكوين المطر إلى الحماية من الإشعاعات الضارة وعكس موجات الراديو وحماية الأرض من آثار النيازك الضارة.
وعلى سبيل المثال فإن واحدة من هذه الوظائف مذكورة في أحد المراجع العلمية كما يأتي: غلاف الأرض الجوي له سبع طبقات الطبقة السفلى تسمى التروبوسفير، وتكوين المطر والرياح والثلوج يقتصر عليها.
إنها معجزة عظيمة أن تكون هذه الحقائق التي لم يكن من الممكن اكتشافها دون تقنيات القرن العشرين مذكورة في القرآن الكريم بدقة منذ 1400 عاماً.
وظيفة الجبال
يلفت القرآن الكريم أنظارنا إلى وظيفة جيولوجية مهمة للجبال حيث يقول الله تعالى
{وَجَعَلْنا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ }
الأنبياء: 31
كما نلاحظ فإن الآية قد ذكرت أن من وظائف الجبال أن تمنع حدوث اهتزازات التربة.
وهذه الحقيقة لم تكن معروفة عند أحد عند نزول القرآن الكريم، إذ أنها لم تبصر النور إلا من خلال نتائج الاكتشافات الجيولوجية الحديثة.
ووفقا لهذه الاكتشافات فإن الجبال تنشأ عن تحركات وانزلاقات في صفائح عظيمة تتكون منها القشرة الأرضية. وعندما تتصادم صفيحتان مع بعضهما تنزلق الأقوى منهما تحت الأخرى وتغوص تحت الأرض لتكون امتدادا عميقا للطبقة الأضعف التي تنحني لتكون الجبال والمرتفعات. وهذا يعني أن للجبال أقساما تحت الأرض تساوي حجمها الظاهر على وجه الأرض.
وتصف أحد النصوص العلمية بنية الجبال كما يأتي:
‘’في الأماكن التي تكون فيها القارات أكثر سماكة كما في المناطق التي توجد فيها سلاسل الجبال تغرق القشرة الأرضية بعمق أكثر في الأوشحة’’.
وقد أشارت إحدى آيات القرآن الكريم إلى هذه الوظيفة من وظائف الجبال بتشبيه الجبال بالأوتاد.
{أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَاداً وَالجِبَالَ أَوْتَاداً }
النبأ: 6- 7
ونتيجة لخواصها هذه فإن الجبال تقوم بالامتداد تحت وفوق طبقات سطح الارض في أماكن التقاء هذه الطبقات بعضها مع بعض. وبهذه الطريقة فإنها تثبت القشرة الأرضية وتمنع الانجراف في صفائحها أو في طبقة الصهارة (magma). وباختصار فان الجبال أشبه بالمسامير التي تبقي قطع الخشب متماسكة.
ووظيفة التثبيت هذه معروفة في أدبيات العمل بمصطلح التضاغط، والتضاغط يعني ما يلي: ‘’ توازن عام في القشرة الأرضية يستمر نتيجة دفق المواد الصخرية تحت سطح الأرض تحت تأثير ضغط الجاذبية’’ .
هذا الدور الحيوي للجبال الذي اكتشفته الجيولوجيا الحديثة والأبحاث المتعلقة بالزلازل، كشف عنه القرآن الكريم منذ قرون كمثال على حكمة الله سبحانه وتعالى في الخلق.
حركة الجبال
تعلمنا إحدى آيات القرآن الكريم أن الجبال ليست جامدة كما تبدو بل هي في حركة دائمة
{ وَتَرَى الجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ }
النمل: 88
إن حركة الجبال تعود إلى حركة الأرض التي تتواجد عليها، حيث إن القشرة الأرضية تطفو فوق طبقة الأوشحة الأعلى منها كثافة. في بداية القرن العشرين افترض العالم الألماني الفرد واغنر أن القارات كانت متلاصقة عند بداية تكونها ثم انجرفت بعد ذلك في اتجاهات مختلفة وبالتالي تفرقت وابتعدت عن بعضها.
ولم يدرك الجيولوجيون أن واغنر كان على حق إلا في ثمانينيات القرن الماضي بعد خمسين عاماً على وفاته. وكما يشير واغنر في مقالة له نشرت عام 1915 فإن الكتل الأرضية كانت مجتمعة مع بعضها البعض قبل 500 مليون عام، وهذه الكتلة الكبيرة من الأرض التي سميت البانجيا كانت متواجدة في القطب الجنوبي.
وقبل 180 مليون عام تقريباً انقسمت البانجيا إلى قسمين انجرفا باتجاهين مختلفين، فسميت إحدى هذه القارتين العظيمتين الغوندوانا وتضمنت أفريقيا واستراليا والأنتاركتيكا والهند، فيما سميت الأخرى اللوراسيا وشملت أوروبا وأميركا الشمالية واسيا باستثناء الهند وبعد مرور 150 مليون عاماً على هذا الافتراق انقسمت الغوندوانا واللوراسيا إلى أقسام اصغر.
والقارات التي انبثقت عن انقسام البانجايا هي في حركة دائمة على سطح الأرض تقدر ببضع سنتيمترات سنوياً، وهذه الحركة تحدث تغييراً في نسبة اليابسة إلى الماء في الكرة الأرضية.
وبعد اكتشاف هذه الحقيقة في بداية القرن العشرين شرحها العلماء بما يأتي:
‘’ القشرة الأرضية والقسم العلوي من الأوشحة اللذين تبلغ مساحتهما 100 كلم تقريباً مقسمان إلى ستة صفائح أساسية، ومجموعة أخرى أصغر، ووفقاً للنظرية المسماة: تشوه الصفائح، فإن هذه الصفائح تتنقل في الأرض حاملة معها القارات وقاع المحيطات. وحركة القارات هذه قد تم تقديرها ب 1- 5 سنتيمترات في السنة. وفيما تستمر الصفائح بالتنقل فإنها سوف تحدث تغيراً في جيولوجية الأرض، فكل سنة على سبيل المثال يتسع المحيط الأطلسي قليلا’’ .
هناك نقطة مهمة يجب ذكرها هنا وهي أن الله سبحانه وتعالى قد أشار في الآية الكريمة إلى حركة القارات على أنها عملية انجراف. واليوم استعمل العلم الحديث مصطلح الانجراف القاري للتعبير عن هذه الحركة.
وبالطبع فإن ذلك كله أحد وجوه إعجاز القرآن الكريم الذي كشف هذه الحقائق العلمية، في حين أن العلم الحديث لم يستطع اكتشافها إلا مؤخراً.
معجزة الحديد
الحديد أحد العناصر الطبيعية التي أشار إليها القرآن الكريم، ففي سورة سميت باسمه يقول الله تعالى:
{ وَأَنزَلْنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ }
الحديد: 25
قد يظن البعض أن عبارة ‘’أنزلنا’’ التي خصص بها الحديد في هذه الآية هي من باب المجاز الذي يقصد به أن الله خلق الحديد لينتفع به الناس، ولكن عندما ننظر إلى المعنى الحرفي للكلمة وهو أن الحديد أرسل فيزيائيا من السماء، ندرك أن الآية تتضمن إعجازا علمياً فريداً، فقد تبين من خلال الاكتشافات الفضائية الحديثة أن الحديد الموجود في عالمنا قد جاء من نجم ضخم في الفضاء الخارجي. إن المعادن الثقيلة في الكون تنتج في نواة نجم كبير، فنظامنا الشمسي لا يملك التركيبة الملائمة التي تمكنه من إنتاج الحديد بنفسه، فالحديد لا يمكن أن ينتج إلا في نجوم اكبر بكثير من الشمس حيث تصل الحرارة إلى بضعة ملايين من الدرجات. وعندما تتعدى كمية الحديد مستوى معينا في نجم ما فإنه لا يستطيع التكيف معها، وبالنهاية ينفجر ويتحول إلى ما يسمى بالمستعر، أو المستعر العظيم (نجم يتعاظم ضياؤه فجأة ثم يخبو بعد بضعة شهور أو سنوات) وكنتيجة لهذا الانفجار تنتشر في أرجاء الكون نيازك تحتوي على الحديد وتتنقل في الفراغ إلى أن تجذبها القوة الجاذبة للأجرام السماوية.
كل هذا يظهر أن الحديد لم يخرج من الأرض، بل نزل إلى الأرض بواسطة نيازك ناجمة عن انفجار نجوم في الفضاء، تماماً كما تذكر الآية الكريمة. ومن الواضح أن هذه الحقيقة العلمية لم تكن معروفة علمياً في القرن السابع الميلادي حين كان القرآن يوحى به.
سنة الأزواج في الخلق
{ سُبْحَانَ الّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنَفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ }
يس: 36
مع أن مفهوم الأزواج يراد به عادة الذكر والأنثى، إلا أن عبارة ‘’ومما لا يعلمون’’ لها دلالات أوسع من ذلك، وقد كشفت إحدى هذه الدلالات في أيامنا هذه، فقد نال العالم البريطاني بول ديراك جائزة نوبل في الفيزياء عام 1933 على اثر طرحه نظرية كون المادة مخلوقة بشكل ثنائي. هذا الاكتشاف الذي سمي ‘’التكافؤ’’ أو ‘’ التماثل’’ يثبت أن المادة تكون ثنائية مع ضدها الذي يسمى ضد المادة. مثال على ذلك فإن الإلكترونات في ‘’ ضد المادة’’ تحمل شحنة موجبة. بينما تحمل بروتونات ‘’ ضد المادة’’ شحنة سالبة.
هذه الحقيقة مذكورة في أحد المراجع العلمية على الشكل الآتي:
يوجد لكل جزء من الأجزاء دون الذرة نقيض لها يحمل شحنة معاكسة لشحنتها، وحسب مبدأ الريبة فإن الخلق المزدوج والاضمحلال المزدوج يحصلان في الفراغ على الدوام وفي جميع الأمكنة.
نسبية الزمن
لقد ثبت اليوم أن موضوع نسبية الزمن هو حقيقة علمية. وهذا ما كشفت عنه نظرية اينشتاين حول النسبية في السنوات الأولى من القرن العشرين. فحتى ذلك الوقت لم يعرف الناس أن الزمن مفهوم نسبي وأنه من الممكن أن يتغير حسب البيئة.
إلا أن ألبرت اينشتاين أثبت هذه الحقيقة بوضوح من خلال النظرية النسبية، إذ أثبت أن الزمن يعتمد على الكتلة والسرعة، ولم يسبق اينشتاين إلى هذا الأمر بهذا الوضوح أحد، باستثناء القرآن الكريم الذي يتضمن معلومات عن نسبية الزمن، إذ تتحدث بعض الآيات عن هذا الموضوع، اقرأ قوله تعالى:
{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَه وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ }
الحج: 47
{يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَآءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ }
السجدة: 5
{تَعْرُجُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ }
لمعارج:4
وبعض الآيات تشير إلى أن الناس يفهمون الوقت بطرق مختلفة وأنه في بعض الأحيان يتصور الناس فترة قصيرة من الزمن على أنها طويلة جداً، وهذا الحوار الذي سيدور بين الناس وخالقهم يوم الحساب يعطي مثالاً توضيحياً جيداً عن هذه الفكرة:
{قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ. قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ العَادّينَ. قَالَ إِن لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }
المؤمنون: 112-114
وكون نسبية الزمن مذكورة في القرآن الذي بدأ بالنزول عام 610 ميلادي يشكل دليلاً آخر على أنه كتاب مقدس.
نسبة الأمطار
إحدى المعلومات التي يعطينا إياها القرآن الكريم عن المطر هو أنه ينزل من السماء إلى الأرض بقدر. وهذه الحقيقة مذكورة في سورة الزخرف كما يلي:
{ وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ }
الزخرف: 11
هذه الكمية المحسوبة من المطر اكتشفت مرة أخرى من خلال الأبحاث الحديثة، وتقدر هذه الأبحاث أنه في الثانية الواحدة يتبخر من الأرض تقريباً 16 مليون طن من المياه. وهذا يعني أن الكمية التي تتبخر في السنة الواحدة تبلغ 513 تريليون طن من الماء. هذا الرقم مساو لكمية المطر التي تنزل على الأرض خلال سنة.
وهذا يعني أن المياه تدور دورة متوازنة ومحسوبة. عليها تقوم الحياة على الأرض، وحتى لو استعمل الناس كل وسائل التكنولوجيا المتوفرة في العالم فلن يستطيعوا أن يعيدوا إنتاج هذه الدورة بطريقة صناعية. وبمجرد حدوث خلل بسيط في هذه المعادلة سوف يؤدي ذلك إلى خلل بيئي ينهي الحياة على الأرض. ولكن ذلك لا يحدث أبدا وفي كل عام تنزل نفس الكمية من الأمطار تماما كما يذكر القرآن الكريم.
تكوّن الأمطار
ظلت كيفية تكون الأمطار لغزاً كبيراً ردحاً طويلا من الزمن. ولم يكن من الممكن اكتشاف مراحل تكون الأمطار إلا بعد اكتشاف الرادارات.
ووفقا لهذه الاكتشافات يتكون المطر على ثلاث مراحل: في المرحلة الأولى تصعد ‘’المواد الأولية للمطر إلى الهواء مع الرياح؛ وبعد ذلك تتشكل الغيوم وبعدها تبدأ قطرات المطر بالظهور.
ووصف القرآن لتكون المطر يذكر هذه العملية بشكل دقيق، إذ يقول الله تعالى في وصف تكون المطر بهذه الطريقة:
{اللهُ الَذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَآءِ كَيْفَ يَشَآءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنَ يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ }
الروم: 48
ولنتفحص الآن المراحل الثلاثة التي تحددها الآية بطريقة علمية:
المرحلة الأولى: ‘’اللهُ الَذِي يُرْسِلُ الّرِيَاحَ’’.
إن فقاعات الهواء التي لا تحصى والتي ترغي في المحيطات تتفجر قاذفة بجزئيات المياه نحو السماء. بعد ذلك تحمل الرياح هذه الجزيئات الغنية بالأملاح وترفعها إلى الغلاف الجوي هذه الجزيئات التي تسمى الهباء الجوي تعمل كأفخاخ مائية وتكون قطرات الغيوم عبر تجميع نفسها حول بخار الماء الصاعد من البحار على شكل قطرات صغيرة.
المرحلة الثانية:
{ فَتُثِيرُ سَحَابَاً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً }
تتكون الغيوم من بخار الماء الذي يتكثف حول بلورات الملح أو جزئيات الغبار في الهواء. ولأن قطرات المياه في هذه الغيوم صغيرة جداً (يبلغ قطر الواحدة منها ما بين 0^01 -0^02 ملم) فإن الغيوم تتعلق في الهواء وتنتشر في أرجاء السماء، وبهذا تغطى السماء بالغيوم.
المرحلة الثالثة: { فَتَرَى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ }
إن جزئيات المياه التي تحيط ببلورات الملح وجزئيات الغبار تتكاثف لتكون قطرات المطر وبهذا فإن المطر الذي يصبح أثقل من الهواء يترك الغيوم ويبدأ بالهطول على الأرض.
وكما نرى فإن كل مرحلة من مراحل تكون المطر مذكورة بالقرآن الكريم، بل أكثر من ذلك، فإن هذه المراحل مشروحة بنفس السياق فكما هو الحال مع كثير من الظواهر الطبيعية الأخرى فقد أعطانا الله سبحانه وتعالى التفسير الصحيح حول هذه الظاهرة أيضا، وجعل الأمر معروفا للناس في القرآن قبل قرون من اكتشافه.
وتذكر آية أخرى من القرآن الكريم المعلومات التالية عن تكون المطر:
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَن يَشَآءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَار }
النور: 43
إن العلماء الذين يدرسون الغيوم توصلوا إلى نتائج مفاجئة بالنسبة لتكون الغيوم الممطرة. فالغيوم الممطرة تتكون وتتشكل وفق نظام ومراحل محددة. فمثلا مراحل تكون الركام وهو أحد أنواع الغيوم الممطرة هي:
المرحلة الأولى: هي مرحلة الدفع حيث تحمل الغيوم أو تدفع بواسطة الرياح.
المرحلة الثانية: هي مرحلة التجمع حيث تتراكم السحب التي دفعتها الرياح مع بعضها البعض لتكون غيمة أكبر .
المرحلة الثالثة: هي مرحلة التراكم حيث أن السحب الصغيرة عندما تتجمع مع بعضها فإن التيار الهوائي الصاعد في الغيمة الكبيرة يزداد، فالتيار الهوائي قرب مركز الغيمة يكون أقوى من التيارات التي تكون على أطرافها، وهذه التيارات تجعل جسم الغيمة ينمو عمودياً ولذلك فإن الغيمة أو السحابة تتراكم صعوداً. هذا النمو العمودي للغيمة يسبب تمددها إلى مناطق اكثر برودة من الغلاف الجوي حينها تتكون حبات المطر والبرد وتصبح أكبر ثم أكبر.
وعندما تصبح حبات المطر والبرد ثقيلة جداً على التيارات الهوائية بحيث يتعذر عليها حملها تبدأ بالهطول من السحب الممطرة على شكل مطر أو حبات برد وغيرها.
ويجب أن نتذكر دائما أن علماء الأرصاد الجوية لم يعرفوا تفاصيل تكون الغيوم وبنيتها ووظيفتها إلا من خلال استخدام التقنيات المتطورة مثل الطائرات والأقمار الصناعية والحواسيب ومن الواضح أن الله سبحانه وتعالى أعطانا هذه المعلومات عن الغيوم قبل 1400 سنة في زمن لم تكن لتعرف فيه.
الرياح اللواقح؟
تذكر إحدى آيات القرآن الكريم أن الرياح لها خاصية كونها ‘’لواقح’’ وأن تكون المطر يأتي كنتيجة لهذه الخاصية، يقول الله سبحانه وتعالى:
{وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ }
الحجر: 22
في هذه الآية هناك إشارة إلى أن المرحلة الأولى من تكون الأمطار هي الرياح. وحتى بداية القرن العشرين لم تعرف أي علاقة بين الرياح والأمطار سوى كون الرياح تجلب الغيوم. ولكن اكتشافات علم الأرصاد الحديث أثبتت دور الرياح الإنتاجي في عملية تكون الأمطار.
الوظيفة الإنتاجية للرياح تعمل كما يأتي:
على سطح البحار والمحيطات هناك أعداد لا حصر لها من فقاعات الهواء الناتجة عن زبد المياه. وفي اللحظة التي تنفجر فيها هذه الفقاعات آلاف من الجزيئات الدقيقة التي لا يتعدى قطرها الواحد في مئات المليمترات تقذف في الهواء.
هذه الجزيئات التي تعرف باسم الهباء الجوي تختلط بالغبار المحمول من الأرض عبر الرياح وترتفع إلى الطبقات العليا من الغلاف الجوي. تحمل الرياح هذه الجزيئات إلى ارتفاعات أعلى حتى تلتحم مع بخار الماء هناك.
تتجمع هذه القطرات أولا مع بعضها على شكل غيم ثم تهطل على الأرض على شكل أمطار.
وكما يرى فإن الريح ‘’تلقح’’ بخار الماء الذي يطفو في الهواء بالجزيئات التي تحملها من البحر وبالنهاية تساعد في تكوين السحب الماطرة.
لو أن الرياح لم تكن تمتلك هذه الخاصية لكان من غير الممكن أن تتكون قطرات المياه في الطبقات العليا من الغلاف الجوي، ولانتفى وجود المطر.
والنقطة المهمة هنا أن هذا الدور الدقيق والحاسم للرياح في تكون الأمطار قد ذكر في آية من آيات القرآن الكريم منذ قرون عدة في زمن كان الناس يعلمون فيه القليل القليل عن الظواهر الطبيعية.
البحران اللذان لا يختلط أحدهما بالآخر
إحدى خصائص البحار التي لم تكتشف إلا أخيرا ذكرت في القرآن الكريم كما يأتي:
{مَرَجَ البَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ }
الرحمن:19-20
فكون البحار تلتقي مع بعضها دون أن يختلط ماؤها البتة حقيقة لم يكشفها علماء الأوقيانوغرافيا إلا مؤخراً. وأرجع العلماء ذلك إلى قوة فيزيائية تسمى ‘’الانشداد السطحي’’ تمنع اختلاط مياه البحار المتجاورة. حيث الانشداد السطحي الذي يسببه اختلاف كثافة المياه يمنعها من الاختلاط مع بعضها تماماً كما لو أن بينها حائطاً رقيقاً.
والجانب المثير للاهتمام في الأمر كله كون القرآن قد ذكر هذه الحقيقة العلمية مع أنه كان ينزل في وقت لم يكن فيه الناس على دراية بالفيزياء والانشداد السطحي والأوقيانوغرافيا.
ظلمات البحار وأمواجها الداخلية
{أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ }
النور: 40
يصف كتاب ‘’ المحيطات’’ البيئة العامة في عمق البحار كما يأتي:
‘’ أن الظلمة موجودة على عمق مائتي متر وما دون، فعند هذا العمق ليس هناك ضوء تقريباً، أما على مسافة ألف متر فلا يوجد ضوء البتة’’ .
وقد تسنى للبشرية اليوم أن تعرف الكثير عن البيئة العامة للبحار وخصائص الكائنات الحية فيها ونسبة ملوحة مياهها وكميات المياه الموجودة فيها، فالغواصات التي تطورت بفضل التقنيات الحديثة خولت العلماء الحصول على مثل هذه المعلومات. ومن المعروف أن أي إنسان لا يستطيع أن يغوص في عمق البحر أكثر من أربعين متراً دون وجود معدات خاصة تساعد على ذلك، ولا يمكن للإنسان أن يبقى على قيد الحياة في المناطق العميقة والمظلمة التي تصل إلى 200 مترا وما دونها دون هذه المعدات.
وغياب المعدات التقنية في السابق كان السبب في تأخر العلماء في اكتشاف هذه التفاصيل عن البحار. وهذا ما يثبت أن عبارة ‘’ظلمات في بحر لجي’’ التي وردت في سورة النور منذ 1400 عاما وكون القرآن يعطي معلومات صحيحة عن البحار في وقت لم تكن فيه معدات تخول الإنسان الغوص في الأعماق ليسا إلا وجهين من وجوه الإعجاز في القرآن الكريم.
وبالإضافة إلى ذلك فإن ما ورد في الآية 40 من سورة النور من قوله تعالى { كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِن فَوْقِهِ سَحَابٌ } يلفت انتباهنا إلى وجه آخر أيضا من وجوه الإعجاز في القرآن الكريم،
‘’اكتشف العلماء مؤخراً وجود أمواج داخلية تحدث عند حدود السطوح الموجودة بين طبقات المياه ذات الكثافات المختلفة، وهذه الأمواج الداخلية تغطي أعماق المياه في البحار والمحيطات لأن المياه العميقة أعلى كثافة من المياه التي تعلوها. وهذه الموجات الداخلية تتحرك تماماً مثل الموجات السطحية وتتكسر مثلها، إلا أنه لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة بل يتم الاستدلال عليها من خلال دراسة تغير حرارة الماء أو نسبة الملوحة في منطقة ما’’.
والعبارات المذكورة في القرآن الكريم تتوافق بشكل تام مع الشروح المذكورة أعلاه، وإذا كان بالإمكان رؤية الأمواج السطحية فيما تتعذر رؤية الأمواج الداخلية دون إجراء الاختبارات اللازمة فإن ما لفت الله سبحانه وتعالى انتباهنا إليه في سورة النور حول هذا النوع من الموج في عمق البحار الذي لم يكتشفه العلماء إلا في وقت متأخر جداً يظهر مرة أخرى أن القرآن هو كلام الله سبحانه وتعالى.
المنطقة التي تتحكم بسلوكنا
{كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعَن بِالنَّاصِيَةِ، نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ }
العلق:15-16
إن تعبير ‘’ناصية كاذبة خاطئة’’ في الآية أعلاه مثير للاهتمام. فقد كشفت الأبحاث التي أجريت مؤخراً أن المنطقة الأمام جبهية ( الناصية) ، المسؤولة عن إدارة وظائف معينة في الدماغ تقع في جهة الجبهة من الجمجمة. ولم يكتشف العلماء وظيفة هذه المنطقة إلا في الستين سنة الأخيرة في حين أن القرآن الكريم أشار إليها قبل 1400 عاماً.
وإذا نظرنا داخل الجمجمة من جهة الجبهة سوف نجد المنطقة الأمامية من المخ. وفي كتاب بعنوان ‘’أساسيات التشريح والفيزيولوجيا’’ يتضمن آخر الأبحاث حول وظيفة هذه المنطقة جاء ما يأتي:
‘’ إن تحديد الدوافع والتفكر في عواقب الأمور والتخطيط للمضي في أمر ما تحدث في فصوص القسم الأمامي من الجبهة، أي المنطقة الأمام جبهية، وهي منطقة الأفكار والخواطر في القشرة الدماغية ‘’.
ويقول الكتاب أيضا أنه فيما يتعلق بكون هذه الجهة مسؤولة عن الدوافع البشرية فإنه يظن أنها هي المركز الوظيفي للعنف..
إذن هذه المنطقة من المخ مسؤولة عن التخطيط، وعن الدوافع والمضي بالأعمال الصالحة أو الخاطئة ومسؤولة عن قول الصدق أو الكذب.
ومن الواضح أن عبارة ‘’ناصية كاذبة خاطئة’’ تتوافق مع الشروح المقدمة أعلاه. هذه الحقيقة التي لم يستطع العلماء اكتشافها إلا قبل ستين عاماً قد ذكرت في القرآن الكريم منذ سنوات بعيدة.
ولادة الإنسان
جاء القرآن على ذكر الكثير من الموضوعات المتنوعة في إطار دعوة الناس للإيمان فذكرت السماوات أحيانا والنباتات أحيانا أخرى والحيوانات في بعض الأحيان للدلالة على وجود الله سبحانه وتعالى. كما دعت الكثير من الآيات الناس إلى التفكر في خلقهم فجاءت على ذكر خلق الإنسان والمراحل التي مر بها وماهية جوهره :
{ نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوَلاَ تُصَدِّقُونَ. أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ ءَأنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الخَالِقَونَ }
الواقعة:57-59
إن الوجوه الإعجازية في خلق الإنسان مذكورة في هذه الآية وكثير غيرها من الآيات. وقد ذكر في الآيات بعض المعلومات التفصيلية التي يستحيل أن يعرفها إنسان عاش في القرن السابع الميلادي. ومن هذه المعلومات:
- إن الإنسان لم يخلق من المني بشكل كامل بل من جزء معين من السائل المنوي.
- إن الجنين يلتصق برحم الأم مثلما تلتصق العلقة بالجسم.
- إن الجنين يتكون في ثلاث مناطق مظلمة في الرحم.
إن الناس الذين عاشوا حين كان القرآن ينزل عرفوا بالتأكيد أن المادة الأساسية للخلق لها علاقة بالسائل المنوي الذي يخرج من الذكر خلال العملية الجنسية. وكون الطفل يولد بعد تسعة اشهر كان واضحا لا يحتاج إلى بحث ولكن نوعية المعلومات التي تذكرها الآيات أعلى مستوى مما كان معلوماً لدى الناس في ذلك الوقت، وهي معلومات لم يكتشفها العلم إلا في القرن العشرين.
ولنمر على هذه المعلومات واحدة تلو الأخرى:
قطرة من السائل المنوي
خلال العملية الجنسية يقذف الرجل 250 مليون نطفة في نفس الوقت. تسافر النطف في رحلة شاقة في جسم الأم ولا تنجح خلالها إلا ألف نطفة من اصل 250 مليون في الوصول إلى البويضة. وفي نهاية السباق الذي يمتد لخمسة دقائق تسمح البويضة التي تكون بحجم نصف ذرة من ذرات الملح لخلية منوية واحدة فقط بتلقيحها، وهذا هو جوهر الإنسان ليس السائل المنوي كله بل قسم صغير منه فقط وهذا ما يشرحه القرآن في قوله تعالى:
{ أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِن مَّنِيٍ يُمْنَى }
القيامة: 36-37
وكما نرى فإن القرآن يعلمنا أن الإنسان لا يتكون من كل السائل المنوي بل من قسم صغير منه وهذا التحديد الذي تتضمنه العبارة يعلن حقيقة علمية لم تكتشف إلا بواسطة العلم الحديث مما يشكل دليلا على أنها عبارة من أصل إلهي مقدس.
الخليط المنوي
السائل المسمى بالمني الذي يحتوي على النطف لا يتألف من النطف وحدها بل يتكون من مزيج من السوائل. هذه السوائل لها وظائف مختلفة فهي مثلا تحتوي على السكر الضروري لتامين الطاقة للنطف ولتحييد الأحماض عند مدخل الرحم ولخلق بيئة انزلاقية تسهل حركة النطف.
ومن المثير للاهتمام أن هذه المعلومات التي اكتشفها العلم الحديث يشير إليها القرآن الكريم حيث يعرف الخليط المنوي بما يلي
{ إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً }
الإنسان: 2
وفي آية أخرى أيضا يشار إلى المني على أنه خليط ويشدد على أن الإنسان خلق من مستخلصات هذا الخليط
{الذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ. ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلاَلَةٍ مِن مَّآءٍ مَهِينٍ }
السجدة: 7-8
وكلمة سلالة تعني مستخلصا أو خلاصة أو أفضل قسم من الشيء.
وفي كل معنى من معانيها تشير إلى جزء من كل، وهذا يدل على أن القرآن صادر من الأرادة الكلية التي خلقت الإنسان والتي تعلم أدق تفاصيل هذا الخلق. هذه الإرادة الكلية هي إرادة الله تعالى خالق الإنسان.
جنس المولود
حتى زمن قريب كان الاعتقاد السائد أن جنس المولود تحدده خلايا الأم أو على الأقل تحدده خلايا الأم والأب مجتمعة. ولكن القرآن أعطانا معلومات مختلفة عن هذا الموضوع حيث ذكر أن الذكورة والأنوثة تخلق من نطفة إذا تمنى
{وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى }
النجم: 45-46
إن التطورات الحاصلة في علم الجينات والبيولوجيا أثبتت دقة المعلومات التي أعطاها القران الكريم وقد فهم آلان أن جنس المولود تحدده نطف مني الرجل وان المرأة لا دور لها في هذه العملية.
الكروموزومات هي العنصر الرئيسي في تحديد جنس المولود اثنان من 46 كروموزماً تسمى كرموزومات الجنس مسؤولة عن تحديد بنية الإنسان وهذه الكروموزومات هي x و y في الذكور و xx في الإناث، حيث يشبه شكل الكروموزومات هذه الأحرف.
يحمل كروموزوم y الشفرة الجينية المتعلقة بالذكورة فيما يحمل كروموزوم x الشفرة الجينية المتعلقة بالأنوثة.
إن تكون الإنسان يبدأ بتقاطع واحدة من هذه الكروموزومات التي توجد في الذكر وفيالأنثى على شكل أزواج. وكل مكونات الخلية الجنسية للأنثى التي تنقسم خلال الإباضة أي بعد خروج البويضة من المبيض تحمل كروموزوم اكس من ناحية أخرى الخلية الجنسية للرجل تنتج نوعين مختلفين من النطف أحدهما يحتوي على كروموزوم ‘’اكس x’’ والثاني يحتوي على كروموزوم ‘’واي y ‘’. إذا اتحد كروموزوم اكس من المرأة مع نطفة تحتوي على كروموزوم اكس من الرجل يكون المولود أنثى وإذا كانت النطفة تحتوي على كروموزوم واي يكون المولود ذكرا.
وبكلمات أخرى إن جنس المولود تحدده كرموزومات الذكر التي تتحد مع بويضة المرأة.
ولم يعرف أي من هذه المعلومات قبل أن يكتشف علم الجينات في القرن العشرين وبالفعل فإن الكثير من الحضارات كانت تعتقد أن جنس المولود يحدده جسم الأنثى ولهذا كانت المرأة ملامة إذا أنجبت أنثى.
في حين أن القرآن الكريم كشف معلومات تنفي هذه الخرافات قبل ثلاثة عشر قرنا من اكتشاف