لقد شدنى بالأمس القريب وأنا أشاهد التلفاز مشهد تقشعر له الأبدان وتصحو معه الضمائر الميتة، هذه الضمائر التى وئدت فى التراب وكأنها عار على أصحابها.
مشهد يعبر عن مقدار صمود هذا الشعب الفلسطينى الكبير، وعن مقدار تضحياته اليومية فى سبيل نيل حقوقه المشروعة. هذا المشهد هو تلك الصور لشهداء العروبة الذين سقطوا فى غزة، تلك الصور التى حملت فى طياتها الشيوخ والأطفال والنساء ، وهم ينطقون الشهادتين قبل أن تزف الروح إلى بارئها، والتى لربما تساءلت عن الضمير العربى والإسلامى بوجه خاص والعالمى على وجه العموم قبل أن تشهق النفس الأخير.
أولئك الشهداء الذين ضحوا وضحى بعضهم فعلا بأعز ما ملكوا ألا وهى النفس فى سبيل الله ولحماية محارم الله ومقدساته وبيوته، وهى تنتهك يوميا على مرأى العالم كله بما فيه العربى والإسلامى دون أن تستيقظ ضمائرهم بعد، هذه الضمائر الميتة أو التى تعتبر نفسها ميتة أنها تقلل وتصفع كرامتنا وهيبتنا يوميا، فضلا عن صفعها للمصالح العليا لأمتنا أيضا التى كانت "خير أمة أخرجت للناس "ويثبّت أيضا مدى التجاهل والإهمال والتصغير ، الذى تمارسه علينا الولايات المتحدة وحلفائها بمن فيهم إسرائيل وعدم اكتراثهم بمصالحنا وآمالنا.
إنها قمة فى التحدى والتصغير والتهميش لأمتنا، كيف لا والولايات المتحدة وإسرائيل تعرفان بأن أى رد فعل عربى لن يتجاوز صرخة ألم من هنا وصرير أسنان طحنها الشقاق من هناك.
وبالتالى فإن الأمة العربية أصبحت دون معنى، دون قيمة من وجهة نظر أمريكا وحلفائها، كيف لا وأمريكا نفسها هى التى وصفت أمتنا بالذل والاحتقار والعار حينما قالت "أنتم صفر العالم، كلكم هذا الصفر، وإسرائيل وحدها هى من تستحق أن تكون الرقم".
وللأسف فإن العرب لم يخيبوا أمل أمريكا فكانوا (عند حسن الظن).
وها هو الصمت يلفهم من المحيط إلى الخليج..
فأين أنت أيها الضمير، وأين أنتم يا أصحاب الضمائر الكبرى، التى لربما وئدت دون معرفة ودون سابق إنذار، ألن تستفيقوا بعد من سباتكم اللعين، ألم يحن الوقت بعد لكى تسمعوا آهات اليتامى والأرامل فى فلسطين والعراق، ألم تكفيكم مجزرة غزة الأخيرة، ألم يخزكم هذا السكوت بعد؟
كل العالم قام إلا أنتم!
ألم يحن الوقت بعد أم أن منتصف الليل ما زال فى قلب الكرة الأرضية.